شهد مطلع القرن العشرين اهتماما متزايدا من جانب الدولة المصرية بإجراء إحصاءات سكانية منتظمة، وكان من أبرزها تعداد 1907 الذي يعد أول تعداد حديث بمعايير علمية نسبية في تاريخ مصر. وقد هدف هذا التعداد إلى تقديم صورة دقيقة عن حجم السكان وتوزيعهم الجغرافي والديني والاجتماعي. ومن بين الجوانب التي أولى لها اهتماما خاصا مسألة الانتماء الديني، حيث تضمن جداول تفصيلية عن عدد المسلمين والأقباط وغيرهم، مما أتاح لأول مرة قاعدة بيانات موثقة يمكن الاعتماد عليها في دراسة التركيبة السكانية والدينية لمصر. وتشير نتائج التعداد إلى أن المسلمين شكلوا 91.8% من إجمالي السكان، بينما بلغت نسبة الأقباط 6.3%، وهو ما يعكس أنهم أكبر أقلية دينية في البلاد في ذلك الوقت.
وقد كشف هذا التعداد أن الوجود المسيحي كان أكثر وضوحا من حيث العدد والنسبة في الصعيد، وبالأخص في محافظات مثل المنيا وأسيوط وجرجا (سوهاج حاليا) وقنا، حيث شكل المسيحيون جزءا بارزا من النسيج الاجتماعي والسكاني كما كشف هذا التعداد أن معظم المسيحيين في مصر موجودين في الصعيد. وتظهر بيانات التعداد أن محافظات الصعيد احتلت المراتب الأولى من حيث عدد ونسبة المسيحيين إلى إجمالي السكان ففي المنيا سجلت النسبة معدلات مرتفعة مع انتشار واسع في المراكز والمدن والقرى، وفي أسيوط بلغ المعدل درجة من التوازن جعلتها أوضح محافظة في مصر من حيث تقارب نسبة المسيحيين مع المسلمين، وهو ما جعلها تعد الأكثر تعبيرا عن الحضور المسيحي في مطلع القرن العشرين. أما جرجا وقنا فقد برزتا جنوبا كمناطق ذات حضور مسيحي مهم، مما يعكس الامتداد التاريخي للمسيحية حتى في جنوب الصعيد. وقد عبر واضعو التعداد أنفسهم عن دهشتهم من هذه الظاهرة بقولهم إنهم "أخذوا العجب من أعدادهم في الصعيد" كما قالوا أن عمار الأقباط وجهرتهم في الصعيد وهي شهادة مهمة لأنها تكشف أن حجم الوجود المسيحي هناك كان كبيرا لدرجة تفوق التصورات الشائعة في ذلك الوقت. إن هذه الملاحظة لا تظهر فقط ارتفاع النسب العددية، بل تؤكد أيضا أن الصعيد كان المركز الحقيقي لثقل المسيحية المصرية، حيث وجدت مجتمعات ريفية متماسكة احتفظت بخصوصيتها إلى جانب المسلمين. إن محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا تمثل نماذج واضحة على مناطق ظل للمسيحيين فيها حضور كثيف وكانوا مكونا أساسيا في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يؤكد أن الصعيد في مطلع القرن العشرين وحتى الآن هو مركز الثقل الحقيقي للمسيحيين في مصر.
كما لم يكتفي تعداد 1907 بعرض النسب العامة، بل قدم جداول تفصيلية تظهر عدد الأقباط لكل ألف نسمة في المراكز الإدارية على مستوى الدولة. وتكشف هذه الجداول عن تفاوت لافت بين الشمال والجنوب ففي الصعيد تراوحت أعداد الأقباط بين 170 و293 شخصا لكل ألف نسمة في كل مركز، وهو ما يعني أن نسبتهم بلغت في بعض المراكز ما يقارب الثلث من إجمالي السكان أو تزيد. أما في وجه بحري فقد كانت الأرقام أقل بكثير، إذ لم تتجاوز 10 إلى 30 شخصا لكل ألف نسمة في كل مركز، أي أقل من 3% في معظم المراكز. ويبرز هذا التباين الحاد أن الصعيد كان يمثل مركز الثقل الديموغرافي الحقيقي للمسيحيين في مصر، على عكس وجه بحري الذي اقتصر وجودهم فيه على نسب محدودة للغاية. وقد علق واضعو التعداد أنفسهم على هذا الفارق بقولهم إنهم "أخذوا العجب من أعدادهم في الصعيد"، تعبيرا عن دهشتهم من قوة الحضور المسيحي في جنوب مصر مقارنة بالشمال.