تحدث المؤرخ تقي الدين المقريزي، الذي عاش في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، عن العرب الذين شاركوا في فتح مصر فقال :
"اعلم أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد بادهم الدهر، وجهلت أحوال أكثر أعقابهم (أحفادهم)".
كتب المقريزي هذه الكلمات في زمن كان فيه عدد سكان مصر حوالي المليون نسمة، أي في وقت كان من السهل فيه معرفة العائلات وتتبع الأنساب، ومع ذلك يؤكد أن العرب الذين دخلوا مع عمرو بن العاص قد اختفوا، وأن أخبار أحفادهم مجهولة، وأنه لا يعرف أين هم في مصر أصلًا، فقد ذابوا في المجتمع منذ مئات السنين، وهي شهادة صريحة ولا يمكن تجاهلها من مؤرخ كبير عاش قبل 500 عام، تثبت أن نسل العرب ذاب داخل المجتمع المصري ولم يعد يُعرف أين هم أصلا.
فالعرب الذين جاؤوا مع جيش الفتح لم يبقوا جماعة مستقلة، بل اندمجوا في المجتمع، وتزاوجوا مع الناس، وتحولوا مع مرور الزمن إلى جزء من نسيج واحد.
ورغم هذا الوضوح التاريخي، يظهر اليوم من يدعي نسبا عربيا ويزعم أنه من أصول عربية ، وهذا في حقيقته تزوير للأنساب وتزييف للتاريخ، فلو كانت تلك الأنساب واضحة لعرفها المقريزي الذي عاش بعد الفتح بثمانية قرون، في زمن قليل السكان وسهل التتبع، فإذا كان هو لا يعرف وهو من هو فالمقريزي هو شيخ المؤرخين المصريين ، فكيف يعرف من جاء بعده بـ 500 عام ؟
لقد شهد التاريخ عبر القرون حالات كثيرة من تزوير الأنساب، حيث نسب البعض أنفسهم إلى قبائل عربية دون دليل أو سند حقيقي، وكل هذه الادعاءات لم تكن إلا أوهاما ومرويات ملفقة، الغرض منها التفاخر أو تحقيق مكانة اجتماعية، لكنها لا تصمد أمام شهادة المؤرخين أو منطق التاريخ.
تزوير الأنساب لا يغير من الحقيقة شيئا، بل يزرع التفرقة بين الناس، فمصر منذ قرون صهرت كل من عاش على أرضها، وصارت وطنا واحدا للجميع.
ومصر لا تحتاج إلى من يمنحها نسبا أو شرفا، فهي أقدم دولة في التاريخ، وصاحبة حضارة سبقت العالم بآلاف السنين، من دخلها صار منها، ومن عاش على أرضها صار جزءا من تاريخها، لأن مصر لا تذوب في أحد، بل الجميع يذوبون فيها.